قصة الإســـــراء والمعـــــــراج الجمعة 27 /7/1431هـ
أيها الأحبة في الله: يقول الحقُّ سبحانه: ?سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير?00 شاء الله الذي لا رادَّ لمشيئته سبحانه، القادر الذي لا يعجزه شيء؛ أن يمنَّ على خليله ومصطفاه ^ برحلة مباركة، هي الإسراء والمعراج، ويظن كثير من المسلمين في العالم أن ليلة البارحة ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة الإسراء والمعراج!؟ فيحتفلون بتلك الليلة، ويحدثون فيها البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان! فما هو الإسراء والمعراج؟ وما صفته؟ وماذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلته؟ وما الدروس المستفادة منه؟
أما الإسراء: فهي رحلة أرضية تمت بقدرة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس.
أما المعراج: فهي رحلة سماوية علوية، تجاوزت الزمان والمكان والمسافات، ابتدأت من بيت المقدس إلى السماوات العُلا، ثم إلى سدرة المنتهى، ثم مكان سمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيه صريف الأقلام، ثم كلَّمه الجبار.
وينبغي أن نعلم أيها الفضلاء: أن الإسراء والمعراج كان بالجسد والروح معه، لا بالروح فقط كما يقول البعض! واستدل العلماء على ذلك بقوله سبحانه: ?سبحان الذي أسرى بعبده?. والتسبيح هو تنزيه الله عن النقص والعجز، وهذه لا يتأتى إلا بالعظائم، ولو كان الأمر مناماً لما كان مستعظماً! ثم بقوله تعالى: ?بعبده?؛ والعبد عبارة عن مجموع الروح والجسد.
إن المؤمن صحيح الإيمان لا ينكر أبداً إمكانية الإسراء، وهو مؤمن بقدرة الله القادر المقتدر: ?إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون? .. المؤمن صحيح الإيمان لا ينكر أبداً إمكانية الإسراء والمعراج وهو يقرأ في كتاب؛ أن الله تعالى أنزل عبدين من عباده من السماء إلى الأرض، ورفع عبداً من عبيده من الأرض إلى السماء، أنزل آدم وزوجه: ?قلنا اهبطوا منها جميعا?. ورفع عيسى عليه السلام: ?إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ?؛ فكيف نستكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرج به مولاه إلى السماء؟ إن من الحقائق العلمية الفيزيائية أن القوة تتناسب تناسباً عكسياً مع الزمن، فكلما زادت القوة قلَّ الزمن؛ فكيف إذا كانت القوة هنا هي قوة الحق سبحانه وتعالى؟! لذا جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أُسري به وعُرج، وعاد وفراشه لم يزل دافئاً!
أما صفة الإسراء والمعراج: فـآلة الركوب كانت البراق، أتاه به جبريل فكانت تضع حافرها عند منتهى طرفها00 صلَّى النبي صلى الله عليه وسلمبالأنبياء إماماً في بيت المقدس00 ثم أُتي بالمعراج وهو ما يُشبه السُّلَّم، فصعد إلى السماوات العلا! اطلع على أهل الجنة، واطلع على أهل النار.
اطلع على أهل الجنة فرأى رجالاً يزرعون يوماً ويحصدون يوماً، كلما حصدوا عاد الزرع كما كان! قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، يخلف الله عليهم ما أنفقوا)00 ?وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه?00 (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما: (اللهم أعط منفقاً خلفاً)، ويقول الآخر: (اللهم أعط ممسكاً تلفاً).
رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجالاً وأقواماً ترضخ رؤوسهم بالحجارة! قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: (هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة)، العقول والرؤوس التي كانت تحترم كل موعد بشرى يزيد من رصيدها، تخرج مبكرةً، وتعود في آخر ساعات الليل؛ ولكنها تنسى موعدها مع الله في موقف بين يديه في خمس صلوات! مَثَلُ هذه الرؤوس لاوزن لها ولاكرامة لها عند الله وتستحق في الآخرة الرمي بالحجارة!
(ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجالاً يأكلون لحماً نتناً خبيثاً؛ وبين أيديهم اللحم الطيب الناضج! قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء رجال من أمتك تكون عند أحدهم المرأةُ بالحلال فيدعها ويبيت عند امرأة خبيثة حتى يصبح!).. المؤمن ينأى بمائه أن يضعه إلا في الموضع الكريم الطاهر.
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كان الكلاب ولغن فيه
أما النفس الهابطة، أما النفوس العفنة فإنها لا تبالي أن يكون الفراش طاهراً أم نجساً!
(ورأى صلى الله عليه وسلم نساءاً معلقاتٍ من أثدائهن! قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اللواتي يُدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهن) 00 أجمل ما في الرجل غيرته، وأجمل ما في المرأة حياؤها؛ ولكن من علامات قرب الساعة زوال ذلك كما جاء في الأثر: (إذا كان آخر الزمان رفع الله أربعة أشياء من الأرض: رفع البركة من الأرض، والعدل من الحكام، والحياء من النساء، والغيرة من رؤوس الرجال).
أعوذ بالله: ?ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد.?.
الخطبة الثانية
أما الدروس المستفادة من حادثة الإسراء والمعراج، فهي كثيرة جداً، سأقتصر على ذكر بعضها.
1- أولها درسٌ في النبوات: فإن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماماً له دلالتان: أولها: وحدة الأنبياء في دعوتهم، فالكلُّ جاء بالتوحيد الخالص من عند الله، الأنبياء إخوة ودينهم واحد: ?وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون?. وما جرى في اليهودية والنصرانية من الانحراف إنما هو بفعل أيديهم 00 والدلالة الثانية: أن النبوة والرسالة قد انقطعت، فلا نبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسالة: ?ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين?.
2- درسٌ للدعاة إلى الله: عاد النبي صلى الله عليه وسلم من رحلته الميمونة المباركة أراد أن يخرج للناس حتى يبلِّغهم، فتشبثت به أم هانيء بنت أبي طالب تقول له: يا رسول الله! إني أخشى أن يكذِّبك قومك! فقال لها صلى الله عليه وسلم: (والله لأحدثنَّهموه!)، أي سأخبرهم وإن كذبوني! وفيه درس عظيم للدعاة إلى الله عز وجل أن يبلغوا أمانة الله، رضي الناس أم غضبوا! رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس). وإذا كان أنبياء الله عز وجل يتهمون بالكذب والسحر والجنون، فليس في ذلك غرابة بعد ذلك أن يُتهم الدعاة إلى الله في واقعنا بالتطرف والإرهاب، والرجعية والتأخر.
3- وهناك درسٌ في بناء الرجال: والرجال لا يمكن بناؤهم إلا من خلال المواقف! عندما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الإسراء والمعراج طفق القوم ما بين مصفق وبين واضع يده على رأسه تعجباً. قال ابن كثير: (وارتد ناس ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم). فالأمر يحتاج إلى يقين، يقين بقدرة الله، ويقين بصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالمحنة تفرز حقائق الرجال؛ أفرزت هذا النموذج الذي لم يستطع أن يستوعب الأمر لضعف إيمانه! وأفرزت رجالاً كأبي بكر الصديق رضي الله: (جاءته قريش يقولون له: انظر ما قاله صاحبك! إنه يدعي أنه أتى في بيت المقدس وعاد في ليلة! ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهراً ذهاباً وشهراً إياباً! فقال أبو بكر: هو قال ذلك! قالوا: نعم ، قال: إن كان قد قال فقد صدق!). إيمان ثابت، إيمان لا تعبث به الدنيا، ولا تزلزله الجبال، إيمان قد استقام على حقيقة منهج الله عز وجل.
4- درس في معية الله عز وجل لأنبيائه وأوليائه: طلبت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لها بيت المقدس، ورسول الله ^ قد جاءه ليلاً، ولم يكن قد رآه من قبل! يقول صلى الله عليه وسلم: (فأصابني كرب لم أُصبْ بمثله قطّ!)، أي أن الأمر سيَفْضَح، بمعنى أنه سيُتهم بالكذب! ولكن حاشا لله أن يترك أولياءه في مثل هذه المواقف؟! يقول صلى الله عليه وسلم: (فجلى الله لي بيت المقدس – أي كشفه -، فصرت أنظر إليه، وأصفه لهم باباً باباً، وموضعاً موضعاً! ?إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد?.
هو درسٌ لكلِّ صاحب هم، لكلِّ صاحب قلب مكلوم ألاَّ يلتفت قلبه إلا إلى الله! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل واحد، يحمل همَّ الدنيا كلِّها، رجل واحد يحمل أمانةً تنوء بها الجبال! ماتت زوجه خديجة التي كان يأوي إليها عند تعبه! مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه كان يبحث عن رجال صدق يعينونه في تبليغ أمر الدعوة. ذهب إلى ثقيف ولكنها ردَّته رداً سيئاً، وأغرت به السفهاء فضربوه بالحجارة حتى أدميت قدماه الشريفتان! عقب كلِّ ذلك يأتي حادث الإسراء والمعراج إيناساً للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتاً.
6 – درس في الصحوة الإسلامية: تأمل العلماء الربط بين إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من مكة البيت الحرام إلى بيت المقدس فذكروا أن مكة هي رمز للإسلام، لدين الله عز وجل.. وبيت المقدس هو رمز لحال المسلمين، فما يجري في تلك الأرض هي علامة صحوة المسلمين أو غفلتهم، وجذوة الجهاد التي انطلقت من هناك دليل على أن أمر الغيرة ما زال في الأمة، وأنه مازال فيها جيل، وأنه مازالت فيها الرغبة في أن تعود إلى الله عز وجل، وبيت المقدس لا يتحرر بمفاوضات عبثية مباشرة ولا غير مباشرة! لن يتحرر إلا على أيدي متوضأة طاهرة كريمة. أما الأيدي التي يحمل أصحابها أفكاراً منحرفةً، وعقائد فاسدةً، مثل هذه الأيدي لا يبارك الله فيها، وحاشى لله أن يكتب لها النصر والتأييد، مصداقاً لقول البشير النذير: (لتقاتلن اليهود فيختبأ اليهودي وراء الحجر أو الشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي تعال فاقتله!).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ...